15ـ لا تقل نسيت، ولكن قل أُنسيت أو نُسيت:
ودليل ذلك ما روته عائشة- رضي الله عنها- قالت: (سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم- رجلاً يقرأ في سورة بالليل، فقال: يرحمه الله، لقد أذكرني آية كذا وكذا كنت أُنسيتها من سورة كذا وكذا) رواه البخاري (5038)، ومسلم (788).
وفي حديث ابن مسعود - رضي الله عنه- قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (بئس ما لأحدهم يقول: نسيت آية كيت وكيت، بل هو نُسي ) رواه البخاري (5039)، ومسلم (790). قال النووي: وهي كراهة تنزيه، وإنما نهي عن نسيتها لأنه يتضمن التساهل فيها، والتغافل عنها، وقد قال الله تعالى: (أتتك آياتنا فنسيتها).
16ـ جواز تلاوة القرآن قائماً، أو ماشياً، أو مضطجعاً، أو راكباً:
قال الله تعالى: (الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم )، وفي حديث عبد الله بن مغفل أنه قال: (رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يوم فتح مكة وهو يقرأ على راحلته سورة الفتح)، رواه البخاري (5034)، ومسلم (794). وعن عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها- قالت: (إن النبي - صلى الله عليه وسلم- كان يتكئ في حجري وأنا حائض ثم يقرأ القرآن ) رواه البخاري (297)، ومسلم (301).
17ـ البكاء عند تلاوة القرآن وسماعه:
وكلا الأمرين جاءت به السنة؛ فالأول ما رواه عبد الله بن الشخير- رضي الله عنه- أنه قال: (أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي، ولجوفه أزيز كأزيز المرجل، يعني يبكي ) رواه أحمد 4/25، وأبو داود (904)، والنسائي في الكبرى 1/195، وصححه ابن حبان (665)
والثاني ما رواه ابن مسعود - رضي الله عنه- قال: (قال لي النبي- صلى الله عليه وسلم-: اقرأ عليّ، قلت: يا رسول الله، أقرأ عليك القرآن وعليك أنزل؟ قال: نعم، فقرأت سورة النساء حتى أتيت على هذه الآية (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً) قال: حسبك الآن. فالتفت فإذا عيناه تذرفان ) رواه البخاري (5050)
18ـ استحباب الجهر بالقرآن إذا لم يترتب عليه مفسدة:
فالجهر أفضل إن لم يخف الرياء، بشرط أن لا يؤذي غيره؛ لأن العمل فيه أكب؛ ولأنه يتعدى نفعه إلى غيره؛ ولأنه يوقظ قلب القارئ، ويجمع همه إلى الفكر، ويصرف سمعه إليه؛ ولأنه يطرد النوم، ويزيد في النشاط.
ولكن لابد أن يراعي من حوله من مصلٍ، أو تالٍ، أو نائمٍ، فلا يؤذيهم برفع صوته، فقد روى أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- اعتكف في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة، فكشف الستر وقال: (ألا كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة ـ أو قال: في الصلاة ـ) رواه أبو داود (1332) .
وأما من يخاف الرياء فإن الإسرار في حقه أفضل؛ لأنه أبعد منه.
وينبه هنا إلى أنه لابد من النطق بالقراءة، والتلفظ بالتلاوة لحصول الأجر؛ لأنه لا يعتبر قارئاً، ولا يحصل له فضل القراءة إلا إذا تلفظ بالقرآن، ولو لم يسمع من حوله؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: (اقرأوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه) رواه مسلم (804)، وغيره من الأحاديث، ولا يعتبر قارئاً إلا إذا تلفظ بذلك، كما نص على ذلك أهل العلم. وهذا لا يمنع من النظر في القرآن من دون قراءة للتدبر، وفهم المعنى.
19ـ الإمساك عن القراءة عند غلبة النعاس:
لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: (إذا قام أحدكم من الليل فاستعجم القرآن على لسانه فلم يدر ما يقول فليضطجع) رواه مسلم (787)، ومعنى استعجم: أي استغلق، ولم ينطق به لسانه.
وعن عائشة - رضي الله عنها- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا نعس أحدكم في الصلاة فليرقد حتى يذهب عنه النوم؛ فإن أحدكم إذا صلى وهو ناعس لعله يذهب يستغفر فيسب نفسه ) رواه البخاري (212)، ومسلم (786). ومعنى يسب نفسه: أي يدعو عليها. ولأجل أن يصان القرآن عن الهذرمة والكلام المعجم.
20ـ استحباب اتصال القراءة وعدم قطعها:
فإذا شرع في القراءة فلا يقطعها إلا لأمر عارض أدباً مع كلام الله ألا يقطع لأجل أمر من أمور الدنيا. وكان ابن عمر - رضي الله عنهما- لا يقطع قراءته إلا لأجل نشر علم ـ وهو عبادة أيضاً ـ فعن نافع قال: كان ابن عمر - رضي الله عنهما- إذا قرأ القرآن لم يتكلم حتى يفرغ منه، فأخذت عليه يوماً فقرأ سورة البقرة حتى انتهى إلى مكان، قال: تدري فيم أنزلت؟ قلت: لا. قال: أنزلت في كذا وكذا. ثم مضى ـ أي في قراءته ـ . رواه البخاري (4526).